كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن الأشج صاحب كعب الأحبار، أن ذا القرنين كان رجلًا طوافًا صالحًا، فلما وقف على جبل آدم الذي هبط عليه ونظر إلى أثره هاله، فقال له الخضر:- وكان صاحب لوائه الأكبر- ما لك أيها الملك؟ قال: هذا أثر الآدميين... أرى موضع الكفين والقدمين وهذه القرحة، وأرى هذه الأشجار حوله قائمة يابسة يسيل منها ماء أحمر، إن لها لشأنًا. فقال له الخضر:- وكان قد أعطي العلم والفهم- أيها الملك، ألا ترى الورقة المعلقة من النخلة الكبيرة قال: بلى. قال: فهي تخبرك بشأن هذا الموضع.- وكان الخضر يقرأ كل كتاب- فقال: أيها الملك، أرى كتابًا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من آدم أبي البشر، أوصيكم ذريتي وبناتي أن تحذروا عدوي وعدوكم إبليس الذي كان يلين كلامه وفجور أمنيته، أنزلني من الفردوس إلى تربة الدنيا، وألقيت على موضعي هذا لا يلتفت إليّ مائتي سنة بخطيئة واحدة، حتى درست في الأرض وهذا أثري وهذه الأشجار من دموع عيني فعلي في هذه التربة أنزلت التوبة، فتوبوا من قبل أن تندموا وبادروا من قبل أن يبادر بكم وقدموا من قبل أن يقدم بكم.
فنزل ذو القرنين فمسح موضع جلوس آدم فإذا هو ثمانون ومائة ميل، ثم أحصى الأشجار فإذا هي تسعمائة شجرة كلها من دموع آدم نبتت، فلما قتل قابيل هابيل تحولت يابسة وهي تبكي دمًا أحمر فقال ذو القرنين للخضر: ارجع بنا فلا طلبت الدنيا بعدها.
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن السدي قال: كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع.
وأخرج ابن عبد الحكم عن الحسن قال: كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع.
وأخرج ابن عبد الحكم وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب، عن عبيد بن يعلى قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة.
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن وهب بن منبه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: لم يوح إليه وكان ملكًا. قيل: فلم سمي ذا القرنين؟ فقال: اختلف فيه أهل الكتاب، فقال بعضهم: ملك الروم وفارس، وقال بعضهم: إنه كان في رأسه شبه القرنين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن بكر بن مضر، أن هشام بن عبد الملك سأله عن ذي القرنين: أكان نبيًا؟ فقال: لا، ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كان فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا حدث صدق، ولا يجمع اليوم لغد.
وأخرج ابن عبد الحكم عن يونس، بن عبيد قال: إنما سمي ذا القرنين، لأنه كان له غديرتان من رأسه من شعر يطأ فيهما. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه قرن ما بين مطلع الشمس ومغربها.
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، عن ابن شهاب قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها.
وأخرج عن قتادة قال: الإسكندر هو ذو القرنين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ابن إسحق، عمن يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم فيما توارثوا من علمه، أن ذا القرنين كان رجلًا صالحًا من أهل مصر، اسمه مرزيا بن مرزية اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عبيد بن عمير، أن ذا القرنين حج ماشيًا فسمع به إبراهيم فتلقاه.
وأخرج الشيرازي في الألقاب، عن قتادة قال: إنما سمي ذا القرنين، لأنه كان له عقيصتان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة، أن ذا القرنين كان من سوّاس الروم يسوس أمرهم، فخيّر بين ذلال السحاب وصعابها فاختار ذلالها، فكان يركب عليها.
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب وأبو الشيخ، عن وهب بن منبه اليماني- وكان له علم الأحاديث الأولى- أنه كان يقول: كان ذو القرنين رجلًا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره، وكان اسمه الإسكندر وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، فلما بلغ وكان عبدًا صالحًا قال الله له: يا ذا القرنين، إني باعثك إلى أمم الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها، في وسط الأرض منهم الإنس والجن ويأجوج ومأجوج، فأما اللتان بينهما طول الأرض، فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، وأما الأخرى؛ فعند مطلعها يقال لها منسك، وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل، وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأمة يقال لها تأويل. فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين: يا إلهي، أنت قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت، فأخبرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها، بأي قوة أكابرهم، وبأي جمع أكاثرهم، وبأي حيلة أكايدهم، وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف لي بأن أحاربهم، وبأي سمع أعي قولهم، وبأي بصر أنفذهم، وبأي حجة أخاصمهم، وبأي قلب أعقل عنهم، وبأي حكمة أدبر أمرهم، وبأي قسط أعدل بينهم، وبأي حلم أصابرهم، وبأي معرفة أفصل بينهم، وبأي علم أتقن أمرهم، وبأي يد أسطو عليهم، وبأي رجل أطؤهم، وبأي طاقة أخصمهم، وبأي جند أقاتلهم، وبأي رفق أستألفهم...؟ وإنه ليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقرن لهم، ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم، وأنت الرب الرحيم الذي لا يكلف نفسًا ولا يحملها إلا طاقتها، ولا يعنتها ولا يفدحها بل يرأفها ويرحمها. فقال له الله عز وجل: إني سأطوقك ما حملتك، أشرح لك صدرك فيتسع لكل شيء، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كل شيء، وأمد لك بصرك فتنفذ كل شيء، وأدبر لك أمرك فتتقن كل شيء، وأحصر لك فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يغرب عنك شيء، وأشد ظهرك فلا يهدك شيء، وأشد لك ركبك فلا يغلبك شيء، وأشد لك قلبك فلا يروعك شيء، وأشد لك عقلك فلا يهولك شيء، وأبسط لك يديك فيسطوان فوق كل شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء. وأسخر لك النور والظلمة فأجعلهما جندًا من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك.
فلما قيل له ذلك انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس، فلما بلغهم وجد جمعًا وعددًا لا يحصيه إلا الله تعالى، وقوة وبأسًا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة وأمورًا مشتبهة وأهواء مشتتة وقلوبًا متفرقة، فلما رأى ذلك كابرهم بالظلمة وضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، وأحاطت بهم من كل جانب وحاشدهم حتى جمعهم في مكان واحد ثم دخل عليهم بالنور، فدعاهم إلى الله وعبادته... فمنهم من آمن ومنهم من صدّ عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودورهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب منهم فماجوا فيها وتحيروا، فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد فكشف عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب أممًا عظيمة فجعلهم جندًا واحدًا، ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من حولهم، والنور من أمامه يقوده ويدله وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل. وسخر الله يده وقلبه ورأيه ونظره وائتماره فلا يخطئ إذا ائتمر وإذا عمل عملًا أتقنه، فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه... فإذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفنًا من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة واحدة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل إنسان لوحًا فلا يكربه حمله، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك، فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنودًا كفعله في الأمتين اللتين قبلهما، ثم كر مقبلًا في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تأويل- وهي الأمة التي بحيال هاويل وهما متقابلتان، بينهما عرض الأرض كلها- فلما بلغها عمل فيها وجند منها كفعله فيما قبلها، لما فرغ منها عطف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن وسائر الإنس ويأجوج ومأجوج. فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق، قال له أمة من الإنس صالحة: يا ذا القرنين، إن بين هذين الجبلين خلقًا من خلق الله... كثيرًا فيهم مشابهة من الإنس، وهم أشباه البهائم وهم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش كما يفترسها السباع، ويأكلون خشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد، ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم، فإن كانت لهم كثرة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم، فلا شك أنهم سيملأون الأرض ويجلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها، وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم ورأيناهم إلا ونحن نتوقعهم وننظر أن يطلع إلينا أوائلهم من هذين الجبلين... فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا؟ قال: ما مكني فيه ربي خير، فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردمًا، اغدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أرتاد بلادهم وأعلم علمهم وأقيس ما بين جبليهم.
ثم انطلق يؤمهم حتى دفع إليهم وتوسط بلادهم، فإذا هم على مقدار واحد... أنثاهم وذكرهم مبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا، ولهم أنياب وأضراس كأضراس السباع وأنيابها، وأحناك كأحناك الإبل قوة، يسمع له حركة إذا أكل كحركة الجرة من الإبل، أو كقضم الفحل المسن أو الفرس القوي، وهم صلب عليهم من الشعر في أجسادهم ما يواريهم وما يتقون به من الحر والبرد إذا أصابهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان إحداهما وبرة ظهرها وبطنها، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها... تسعانه إذا لبسهما، يلبس إحداهما ويفترش الأخرى، ويصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى، وليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه ومنقطع عمره، وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد، فإذا كان ذلك أيقن بالموت وتهيأ له. وهم يرزقون التنين في زمان الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه كما يستمطر الغيث لحينه، فيقذفون منه كل سنة بواحد فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من قابل، فيعينهم على كثرتهم وما هم فيه، فإذا أمطروا أخصبوا وعاشوا وسهئوا ورؤي أثره عليهم فدرت عليهم الإناث وشبقت منهم الذكور، وإذا أخطأهم هزلوا وأحدثوا وجفلت منهم الذكور وأحالت الإناث وتبين أثر ذلك عليهم، وهم يتداعون تداعي الحمام ويعوون عوي الذئاب ويتسافدون حيثما التقوا تسافد البهائم.
ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين، انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما- وهي في منقطع أرض الترك مما يلي الشمس- فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ، فلما أنشأ في عمله حفر له أساسًا حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخًا وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علا وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر فصار كأنه محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فلما فرغ منه وأحكم انطلق عامدًا إلى جماعة الإنس والجن، فبينما هو يسير إذ رفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أمة مقسطة يقتسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون... حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس على بيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف، ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يتنازعون ولا يستّبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس، وهم أطول الناس أعمارًا وليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ.
فلما رأى ذلك ذو القرنين من أمرهم أعجب منهم وقال لهم: أخبروني أيها القوم خبركم، فإني قد أحصيت الأرض كلها... برها وبحرها، وشرقها وغربها، ونورها وظلمتها... فلم أجد فيها أحدًا مثلكم...! فأخبروني خبركم. قالوا: نعم، سلنا عما تريد. قال: أخبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم؟ قال: عمدًا فعلنا ذلك، لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا متّهم وليس فينا إلا أمين مؤتمن. قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: ليس فينا مظالم. قال: فما بالكم ليس بينكم حكام؟ قالوا: لا نختصم. قال: فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا: لا نتكاثر. قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لا نتنافس. قال: فما بالكم لا تتفاوتون ولا تتفاضلون؟ قالوا: من قبل أنا متواصلون متراحمون. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا. قال: فما بالكم لا تقتتلون ولا تستّبون؟ قالوا: من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسْنا أنفسنا بالحلم. قال: فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع، فلا يغتاب بعضنا بعضًا. قال: فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم؟ قالوا: صحت صدورنا فنزع الله بذلك الغل والحسد من قلوبنا. قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنا نقسم بالسوية. قال: فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع. قال: فما بالكم جُعِلْتُم أطول الناس أعمارًا؟ قالوا: من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل. قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: لا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تحردون؟ قالوا: من قبل أنا وطّنا أنفسنا للبلاء منذ كنا، وأحببناه وحرصنا عليه فعرينا منه. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات كما تصيب الناس؟ قالوا: لا نتوكل على غير الله ولا نعمل بأنواء النجوم. قال: حدثوني... أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون؟ قالوا: نعم، وجدنا آبائنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويحلمون على من جهل عليهم، ويستغفرون لم سبهم، ويصلون أرحامهم، ويردون أماناتهم، ويحفظون وقتهم لصلاتهم، ويوفون بعهودهم، ويصدقون في مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم ولا يستنكفون عن أقاربهم، فأصلح الله بذلك أمرهم وحفظهم به ما كانوا أحياء، وكان حقًا عليه أن يخلفهم في تركتهم. فقال لهم ذو القرنين: لو كنتُ مقيمًا لأقمت فيكم، ولكني لم أؤمر بالإقامة.